فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الزمخشري: {أرأيتَ} بمعنى أخبِرْني. فإن قلتَ: ما وجهُ التئامِ هذا الكلامِ، فإنَّ كلَّ واحدٍ مِنْ {أرأيت} ومِنْ {إذ أَوَيْنا}، ومِنْ {فإنِّي نَسِيْتُ الحوتَ} لا متعلِّقَ له؟ قلت: لَمَّا طَلَب موسى الحوتَ ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه مِنْ نِسيانه إلى تلك الغايةِ، ودُهِش فَطَفِقَ يسأل موسى عن سبب ذلك كأنَّه قال: أرأيتَ ما دهاني إذ أَوَيْنا إلى الصخرة فإنِّي نسيتُ الحوت. فحذف ذلك.
قال الشيخ: وهذان مَفْقودانِ في تقديرِ الزمخشري {أرأيتَ} بمعنى أخبرني. يعني بهذين ما تقدَّم في كلام الأخفش مِنْ أنَّه لابد بعدها من الاسم المستخبَرِ عنه ولزومِ الاستفهامِ الجملةَ التي بعدها.
قوله: {وَمَا أَنْسَانِيهُ} قرأ حفص بضمِّ الهاء. وكذا في قوله: {عَلَيْهُ الله} [الآية: 10] في سورة الفتح. قيل: لأنَّ الياءَ هنا أصلُها الفتح، والهاءُ بعد الفتحةِ مضمومةٌ فنظر هنا إلى الأصل. وأمَّا في سورة الفتح فلأنَّ الياءَ عارضةٌ إذ اصلُها الألفُ، والهاءُ بعد الألف مضمومةٌ فنظر إلى الأصلِ أيضًا؟
والباقون بالكسر نظرًا إلى اللفظِ، فإنها بعد ياءٍ ساكنة. وقد جمع حفص في قراءتِه بين اللغات في هاء الكناية: فإنه ضمَّ الهاء في {أنسانِيْه} في غيرِ صلةٍ، ووصَلَها بياءٍ في قوله: {فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 69] على ما سيأتي إنْ شاء الله تعالى. وقرأ كأكثرِ القراء فيما سوى ذلك.
قوله: {أَنْ أَذْكُرَهُ} في محلِّ نصبٍ على البدلِ مِنْ هاء {أنسانِيْه} بدلِ اشتمال، أي: أَنْساني ذكرَه.
قوله: {عَجَبًا} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه مفعولٌ ثانٍ لـ: {اتَّخذ}. و{في البحرِ} يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بالاتخاذِ، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ من المفعولِ الأولِ أو الثاني.
وفي فاعل {اتَّخذ} وجهان، أحدُهما: هو الحوت، كما تقدَّم في {اتَّخذ} الأولى. والثاني: هو موسى.
الوجهُ الثاني مِنْ وجهَيْ {عَجَبًا} أنه مفعولٌ به، والعاملُ فيه محذوفٌ، فقال الزمخشري: أو قال: عَجَبًا في آخرِ كلامِه تَعَجُّبًا مِنْ حاله. وقوله: {وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان} اعتراضٌ بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه. فظاهرُ هذا أنَّه مفعولٌ ب {قال}، أي: قال هذا اللفظَ.
الثالث: أنه مصدر، فالعاملُ فيه مقدَّرٌ تقديرُه: فتعجَّب مِنْ ذلك عَجَبًا.
الرابع: أنه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، ناصبُه {اتَّخذ}، أي: اتخذ سبيلَه في البحر اتِّخاذًا عَجَبًا. وعلى هذه الأقوالِ الثلاثةِ يكون {في البحر} مفعولًا ثانيًا ل {اتَّخَذَ} إن عَدَّيْناها لمفعولين.
{قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}.
قوله: {نَبْغِ}: حذفَ نافع وأبو عمرو والكسائي ياء {نَبْغي} وقفًا، وأثبتوها وصلًا. وابن كثير أثبتها في الحالين. والباقون حَذَفوها في الحالين اتِّباعًا للرسم. وكان مِنْ حَقِّها الثبوتُ، وإنما حُذِفت تشبيهًا بالفواصلِ، أو لأنَّ الحَذْفَ يُؤْنِسُ بالحذفِ فإنَّ {ما} موصولةٌ حُذِفَ عائدُها، وهذه بخلافِ التي في يوسف فإنها ثابتةٌ عند الجميعِ، وقد تقدَّم ذلك في مَوْضِعِه.
قوله: {قَصَصًا} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه مصدرٌ في موضعِ الحالِ، أي: قاصِّيْن. الثاني: أنه مصدرٌ منصوبٌ بفعلٍ مِنْ لفظِه مقدَّرٍ، أي: يَقُصَّان قَصَصًا. الثالث: أنه منصوبٌ ب {ارتَدَّا} لأنه في معنى فَقَصَّا. وقرأ الكسائي: {أنسانِيْهِ} بالإِمالة. وعبد الله {أَنْ أذكرَكَه}. وأبو حيوة {واتخاذَ سبيلِه} عَطَفَ هذا المصدرَ على مفعول {اذكره}. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في فتى:

الفَتى: الشاب، والسخىّ الكريم، وهما فَتَيَان وفَتَوَان، والجمع، فِتْيانٌ وفِتْوة وفُتُوّ وفُتىّ، وهى فتاة، والجمع: فَتَيَات. والفُتُوَّة نهاية الكَرَم. {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ}: يوشع. والفُتُوَّة منزلة حقيقتها منزلة الإِحسان وكفّ الأَذَى عن الغير وَاحتمال الأَذى منهم. فهى في الحقيقة نتيجة حُسْن الخُلُق وغايته.
وقيل: الفرق بينها وبين المروءَة أَعمّ، والفتوّة نوع من أَنواعها؛ فإِنَّ المروءَة استعمال ما يجمّل ويزين ممّا هو مختصّ بالعبد، أَو متعدّ إِلى غيره، وترك ما يدنّس ويَشين ممّا هو مختصّ به أَو متعلِّقٌ بغيره. والفتوّة إِنَّما هي استعمال الأَخلاق الكريمة مع الخَلْق.
وهى منزلة شريفة لم يعبَّر عنها في الشريعة باسم الفتوّة، بل عُبّر عنها باسم مكارم الأَخلاق؛ كما قال صلَّى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ بعثنى لتمام مكارم الأَخلاق، ومحاسن الأَفعال» رواه جابر.
وأَصل الفتوّة من الفَتى وهو الشاب الطرىّ الحديث السِّنّ، قال تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} وقال عن قوم إِبراهيم إِنهم: {قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} وقال تعالى عن يوسف عليه السّلام: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ}، {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ}.
فاسم الفتى لا يُشعر بمدح ولا ذمّ كاسم الشابِّ والحَدَث.
ولذلك لم يجئ لفظ الفتوّة في الكتاب والسنَّة ولا في كلام السّلف، وإِنما استعمله مَنْ بعدهم في مكارم الأَخلاق. قيل: أَقدمُ من تكلَّم في الفتوّة جعفر الصّادق، ثمّ الفُضَيل بن عِياض، والإِمام أَحمد، وسهل بن عبدالله التُسْتَرىّ، والجُنَيْد، ثم طائفة.
سئل جعفر عنها وقال للسّائل ما تقول؟ قال. إِن أُعطيت شكرت، وإِن مُنِعت صبرت.
فقال: الكلاب عندنا كذلك. فقال: يا ابن رسول الله فما الفتوّة عندكم؟ قال: إِن أُعطينا آثرنا، وإِن مُنِعنا شكرنا. وقال الفضيل: الفتوّة: الصّفح عن عَثَرَات الإِخوان.
وسئل الإِمام أَحمد عن الفتوّة، فقال، ترك ما تهوَى لما تخشى.
وسئل الجنيد عنها فقال: أَلاَّ تنافِر فقيرًا، ولا تعارض غنيًّا.
وقال الحارث المحاسبىّ: الفتوة أَن تُنْصف ولا تَنْتصف.
وقال عمرو ابن عثمان المكىّ: الفتوة حُسْن الخلق.
وقال محمّد بن على الترمذىّ: الفتوة أَن تكون خصيمًا لربّك على نفسك.
وقيل: الفتوة أَلاَّ ترى لنفسك فضلًا على غيرك.
وقال الدقَّاق: هذا الخُلُق لا يكون كمالُه إِلاَّ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإِنَّ كلَّ أَحد يقول يوم القيامة: نفسى نفسى، وهو يقول: أُمّتى أُمّتى.
وقيل الفتوّة: كسر الصّنم الذي بينك وبين الله وهو نفسك؛ فإِنَّ الله تعالى حكى عن قصة إِبراهيم أَنَّه جعل الأَصنام جُذَاذًا فكسر الأَصنام له، فالفتى من كسر صنمًا واحد لله.
وقيل: الفتوّة أَلاَّ تكون خصمًا لأَحد يعني في حظِّ نفسك، وأَمّا في حق الله فالفتوّة أَن تكون خصمًا لكل أَحد ولو كان الحبيب المصافيا.
وقال الثورىّ: أَن يستوى عندك المقيم والطَّارىءُ.
وقال بعضهم: أَلاَّ يميز بين أَن يأْكل عنده وَلىّ أَو كافر.
وقال الجُنَيْد أَيضًا: الفتوة كفُّ الأَذى، وبذل الندَى.
وقال سهل: هي اتِّباع السنَّة.
وقيل: الوفاءُ والحفَاظ.
وقيل: فضيلة تأْتيها ولا ترى نفسك فيها.
وقال: أَلا تحتجب ممّن قصدك.
وقيل: أَلاَّ تهرُب إِذا أَقبل العافى، يعني طالب المعروف.
وقيل: إِظهار النعمة، وإِسرار المحنة.
وقيل: أَلاَّ تدّخر ولا تعتذر.
وقيل: تزوّج رجل امرأَة فلمّا دخل عليها رأَى بها الجُدرىّ فقال: عينى ثم قال: عمِيتُ.
فبعد عشر سنين ماتت ولم تعلم أَنه بصير.
وقيل: ليس من الفتوّة أَن تَرْبح على صديق.
ويذكر أَن رجلا نام من الحاجّ بالمدينة ففقد هِمْيانًا فيه أَلف دينار.
فقام فزِعًا فوجد جعفر بن محمّد رضى الله عنه فتعلَّق به وقال: أَخذتَ هِيْمانى.
فقال أَيش كان فيه؟ فقال: أَلف دينار.
فأَدخله داره ووزن له أَلف دينار، ثمّ إِنه وجد هِيْمانه فجاءَ معتذرًا إِلى جعفر بالمال، فأَبى أَن يقبله، وقال: شيء أَخرجته من يدى لا أَستردّه أَبدًا.
قال الشيخ عبدالله الأَنصارى: نكتة الفتوة أَلاَّ تَشهد لك فضلًا، ولا ترى لك حقَّا؛ يشير إِلى أَن قلب الفتوّة وإِنسان عينها أَن تغيب بشهادة نقصك وعيبك عن فضلك، وتغيب بشهادة حقوق الخَلْق عليك عن شهادة حقوقك عليهم، والنَّاس في هذا على مراتب، فأَشرفهم أَهل هذه المرتبة، وأَخسّهم عكسهم.
وأَوّل الفتوّة ترك الخصومة باللسان والقلب في حقِّ نفسه لا في حقِّ ربّه، والتغافل عن الزلاَّت التي لم يُوجب الشرع أَخذه بها، ونسيان أَذيّة مَن نالك بأَذًى ليصفو قلبُك له، ونسيانك إِحسانك إِلى من أَحسنتَ إليه حتىَّ كأَنَّه لم يَصدر منك إِحسان.
وهذا أَكمل ممّا قبله، وفيه يقول:
ينسى صنائعه واللهُ يظهرها ** إِنّ الجميل إِذا أَخفيته ظهرا

وثانيها: أَن تقرّب من يُبعدك، وتعتذر إِلى من يجنى عليك، سماحة لا كَظْمًا، وتحسن إِلى من أَساءَ إليك وتعتذر إِليه أَيضًا.
ومعنى هذا أَنَّك تُنزل نفسك منزلة الجانى والمسىءِ، وكلّ منهما خليق بالعذر.
والذى يُشهدك هذا المشهد أَن تعلم أَنه إِنَّما سُلِّط عليك بذنب صدر منك، كما قال تعالى: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ}، فإِذا علمت أَنك بدأت بالجناية وانتقم الله منك على يده كنتَ في الحقيقة أَولى بالاعتذار.
وقال بعض أَهل الخصوص: من طلب نور الحقيقة على قدَم الاستدلال لم تحِلّ له دعوة الفتوّة أَبدا، كأَنه يقول: إِذا لم تُحوِج يا فتى عدوّك إِلى العُذر والشفاعة، ولم تكلِّفه طلب الاستدلال على صحّة عذره، فكيف تحوج وليّك وحبيبك إِلى أَن يقيم لك الدليل على التوحيد والمعرفة، ولا تسير إِليه حتى يقيم لك دليلا على وجود وحدانيته وقدرته ومشيئته، فأَين هذا من درجة الفتوَّة! وهل هذا إِلاَّ خلاف الفتوّة من كلّ وجه؟!
وليس يصحّ في الأَذهان شيء ** إِذا احتاج النهار إِلى دليل

.بصيرة في فتئ وفج وفجر وفجو وفحش وفخر:

أبو زيد: ما فتأْت أَكره، وما فتئت أَذكره.
وما فتُؤت أَذكره وهذه عن الفرّاءِ، أي ما زِلت أَذكره وما برِحت.
وقوله تعالى: {تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ} أي ما تفتأ.
وما أَفتأت أَذكره لغة في ذلك.
والفجُّ: شُقَّةٌ يكتنفها جبلان.
ويستعمل في الطَّريق الواسع، قال تعالى: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ}.
ويقال: قطعوا سُبُلًا فِجَاجًا، حتى أَتَوكَ حُجَّاجًا. والفَجْر: شقُّ الشىء شَقًّا واسعًا كَفَجْرِك سِكْر النهر. فجَرْته فانفجر، وفجّرته فتفجَّر. وفَجَر الله الفَجْر: أَظهره، سُمِّى به لأَنَّه يشق اللَّيل قال تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}. والفجْر فجران: كاذب وهو كذَنَب السِّرحان، وصادق وهو المستطير الذي يتعلَّق به الصلاة والصيام. والفَجَر: الكَرَم. وفلان يتفجَّر بالمعروف.
والفَجْوة والفجواءُ: الفُرْجة وما اتَّسع من الأَرض، قال تعالى: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ} أي ساحة واسعة.
والفَجْوة: ساحة الدّار، والجمع: فَجَوَات وفِجاء. وفَجَا بابَهُ: فتحه فانفجى، وقوسَه: رفع وترها عن كبِدها. وأَفْجَى: وسّع النفقة على عياله. والفَجَا: تباعُد ما بين الفخذين أَو الرّكبتين أَو السّاقين. والفُحْش والفَحْشَاءُ والفاحشة: ما عظُم قُبْحه من الأَقوال والأَفعال.
قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}.
الفخر: المباهاة بالأَشياء الخارجة عن الإِنسان كالمال والجاه. رجل فاخر وفَخُور وفِخّير كسكيّت.
وفَخَرْتُ فلانًا على صاحبه- كمنعت-: حكمت له بفضل عليه. ويعبّر عن كلّ نفيس بالفاخر.
والفَخَّار: الجرار. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)}.
لما صَحَّتْ صحبة يوشع مع موسى عليهما السلام استحقَّ اسم الفتوة، ولذا قال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} وهو اسم كرامة لا اسم علامة.
جعل دخول السمك الماء علامة لوجود الخضر هنالك، ثم أدخل النسيان عليهما ليكون أبلغَ في الآية، وأَبْعَدَ من اختيار البَشَر.
{فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)}.
كان موسى في هذا السَّفرِ مُتَحَمِّلًا، فقد كان سَفَر تأديبٍ واحتمالٍ مشقةٍ، لأنه ذهب لاستكثار العلم. وحالُ طلب العلم حالُ تأديبٍ ووقتُ تْحمُّلٍ للمشقة، ولهذا لَحِقَهُ الجوعُ، فقال: {لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}.
وحين صام في مدة انتظار سماع الكلام من الله صبر ثلاثين يومًا، ولم يلحقه الجوعُ ولا المشقةُ، لأن ذهابَه في هذا السفر كان إلى الله، فكان محمولًا.
{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}.
طال عليهما السفر لأنهما احتاجا إلى الانصرافٍ إلى مكانهما، ثم قال يوشع: {وَمَا أَنسَانِيهُ إلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}: الله- سبحانه- أَدْخَلَ عليه النسيانَ ليكونَ الصَّيْدُ من تكلفِه، ثم قال: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ}: يعني دخول السمك الماء وكان مشويًا؛ فصار ذلك معجزة له، فلما انتهينا إلى الموضع الذي دخل السمك فيه الماء لَقِيَا الخضر. اهـ.